الأموال التي تجب فيها الزكاة وتلك التي لا تجب فيها

مقدمة: خارطة طريق الثروة الزكوية

بعد فهم أركان الزكاة وشروطها، يبرز سؤال جوهري ومحوري لدى كل مسلم يسعى لإبراء ذمته: ما هي بالضبط الأموال الزكوية التي تدخل في حساب الزكاة؟ وما هي الممتلكات الشخصية التي لا تدخل في هذا الحساب؟ لقد وضعت الشريعة الإسلامية الغراء معايير واضحة ودقيقة للتفريق بين نوعين من الأموال: أموال نامية بطبيعتها أو قابلة للنماء، وهذه هي التي تتعلق بها الزكاة، وأموال أخرى للحاجات الأساسية والقنية الشخصية، وهذه لا زكاة فيها من باب التيسير ورفع الحرج. إن معرفة هذه الخارطة المالية أمر ضروري لضمان أن المسلم لا يبخل بحق واجب عليه، وفي نفس الوقت لا يشدد على نفسه في ما وسع الله عليه فيه. في هذا المقال الشامل، سنستعرض بالتفصيل الأصناف الأربعة الرئيسية للأموال التي تجب فيها الزكاة، وسنوضح حكم زكاة القضايا المعاصرة مثل زكاة الراتب وزكاة الدين، ثم ننتقل لتوضيح الأموال التي لا تجب فيها الزكاة مثل بيت السكن والسيارة الشخصية، لتقديم دليل متكامل يزيل كل لبس وغموض.

أولاً: الأموال التي تجب فيها الزكاة (الأموال الزكوية)

أجمع الفقهاء على أن الزكاة تجب في أربعة أصناف رئيسية من الأموال، وهي:

  1. بهيمة الأنعام (الإبل والبقر والغنم): وهي الإبل والبقر (ويشمل الجاموس) والغنم (ويشمل الماعز). وتجب فيها الزكاة بشروط محددة: أن تكون سائمة (ترعى في المراعي المباحة معظم العام)، وأن تبلغ نصاباً معيناً، وأن يحول عليها الحول. ولها تفاصيل وحسابات دقيقة في كتب الفقه لا يتسع المجال لذكرها هنا بالتفصيل.
  2. الخارج من الأرض (الزروع والثمار): تجب الزكاة في كل ما يقتات ويدخر من الحبوب والثمار، مثل القمح، الشعير، التمر، والزبيب. وقد وسع بعض الفقهاء الدائرة لتشمل كل ما تخرجه الأرض. نصابها خمسة أوسق (ما يعادل 653 كيلوجراماً تقريباً)، وزكاتها تخرج يوم حصادها. نسبتها 10% (العشر) إذا كانت تسقى بماء السماء دون كلفة، و5% (نصف العشر) إذا كانت تسقى بكلفة وآلات.
  3. الأثمان (الذهب والفضة وما يقوم مقامهما): وهذا هو الصنف الأكثر شيوعاً في عصرنا.
    • الذهب والفضة: تجب فيهما الزكاة إذا بلغ كل منهما نصابه (85 جراماً للذهب، 595 جراماً للفضة) وحال عليهما الحول، سواء كانا سبائك، أو عملات، أو حلياً مدخرة.
    • الأوراق النقدية: العملات المعاصرة (مثل الدينار، الدولار، اليورو) تأخذ حكم الذهب والفضة. يتم حساب نصابها بناءً على قيمة 85 جراماً من الذهب، ومن ملك ما يساوي هذه القيمة أو أكثر، وحال عليه الحول، وجبت عليه زكاة بنسبة 2.5%.
  4. عروض التجارة: هي كل ما يُعد للبيع والشراء بهدف تحقيق الربح، مثل العقارات المعروضة للبيع، السيارات في المعارض، البضائع في المحلات، الأسهم للمضاربة، وغيرها. في نهاية كل حول، يقوم التاجر بتقييم قيمة جميع بضائعه بسعرها الحالي في السوق، ثم يضيف إليها السيولة النقدية والأرباح والديون المرجوة السداد، ثم يخرج 2.5% من المجموع إذا بلغ النصاب.

قضايا معاصرة في الأموال الزكوية

  • زكاة الراتب: الراتب الشهري في حد ذاته لا تجب فيه الزكاة عند استلامه مباشرة. ولكن، المبلغ المدخر من هذا الراتب يُضم إلى بقية الأموال النقدية لدى الشخص. وعندما يبلغ مجموع المدخرات النصاب، يبدأ حساب الحول. في يوم الزكاة السنوي، يتم حساب كل المال المدخر الموجود بغض النظر عن تاريخ ادخار كل جزء منه.
  • زكاة الدين: تنقسم إلى قسمين:
    • الدين الذي لك على الآخرين: إذا كان الدين على شخص غني قادر على السداد، فإنه يُحسب ضمن أموالك الزكوية وتزكيه كل عام. أما إذا كان على شخص معسر أو مماطل، فلا تجب عليك زكاته حتى تقبضه، وعندها تزكيه عن عام واحد فقط.
    • الدين الذي عليك للآخرين: اختلف الفقهاء، ولكن الرأي الراجح أن الدين الذي على الإنسان لا يمنع وجوب الزكاة في الأموال التي بيده، خاصة إذا كان لديه أصول أخرى غير زكوية يمكنه سداد الدين منها.

ثانياً: الأموال التي لا تجب فيها الزكاة

من رحمة الشريعة وتيسيرها أنها لم تفرض الزكاة على الممتلكات التي يحتاجها الإنسان لحياته الأساسية واستعماله الشخصي. هذه الأموال تسمى “أموال القنية”.

  1. بيت السكن: المنزل الذي يسكن فيه الإنسان هو وعائلته لا تجب فيه الزكاة، مهما بلغت قيمته. أما إذا كان يملك بيوتاً أخرى يؤجرها، فالزكاة تجب على الإيجار المدخر بعد مرور الحول وبلوغ النصاب، وليس على قيمة العقار نفسه. أما إذا كانت البيوت معروضة للبيع، فتصبح عروض تجارة وتجب الزكاة في قيمتها.
  2. السيارة الشخصية ووسائل النقل: هل السيارة عليها زكاة؟ الجواب: السيارة التي تستخدمها للتنقل الشخصي والعائلي لا زكاة فيها. وكذلك وسائل النقل التي تستخدمها في عملك (مثل شاحنة النقل لسائق). أما إذا كانت السيارات معروضة للبيع في معرض، فهي عروض تجارة تجب فيها الزكاة.
  3. الأثاث والملابس وأدوات المنزل: كل ما يستخدمه الإنسان في بيته من أثاث، وأجهزة كهربائية، وملابس، وأدوات مطبخ، لا تجب فيه الزكاة.
  4. أدوات الصنعة والعمل: الآلات والمعدات التي يستخدمها الصانع أو الحرفي في عمله (مثل أدوات النجار، أو ماكينات الخياط، أو كمبيوتر المبرمج) لا زكاة فيها، لأنها أدوات لكسب الرزق وليست نامية بذاتها. الزكاة تكون على الدخل المدخر من هذا العمل.
  5. الحلي الملبوسة للزينة (للمرأة): هذه مسألة خلافية بين الفقهاء.
    • جمهور الفقهاء (المالكية والشافعية والحنابلة): يرون أنه لا زكاة في حلي المرأة الذي تستخدمه للزينة المعتادة، ما لم يبلغ حد الإسراف المبالغ فيه.
    • الحنفية: يرون وجوب الزكاة في حلي المرأة إذا بلغ النصاب وحال عليه الحول. وهذا الرأي أحوط وأبرأ للذمة.

خاتمة: الفقه في المال سبيل لرضا الرحمن

إن التمييز بين الأموال الزكوية والأموال التي لا تجب فيها الزكاة هو فقه ضروري لكل مسلم. فهو يرسم حدود المسؤولية المالية، ويحقق مقصد الشريعة في فرض الزكاة على أموال الفضل والنماء، والعفو عن أموال الحاجة والاستعمال. بمعرفة هذه الأحكام، يؤدي المسلم فريضته بيقين وبصيرة، فيبارك الله له في ماله الذي زكاه، ويبارك له في ماله الذي اقتناه لحاجته، فيعيش حياة متوازنة يجمع فيها بين الكسب الحلال والإنفاق المسؤول والعطاء الواجب.

Scroll to Top