مقدمة: طُهرة للصائم وطُعمة للمساكين
مع أفول شمس آخر يوم من أيام رمضان، يستعد المسلمون لاستقبال عيد الفطر المبارك، وتتوج فرحتهم بعبادة جليلة تجمع بين الشكر والطهارة والتكافل، ألا وهي “زكاة الفطر”. هذه الزكاة ليست كزكاة المال، فلها طبيعتها الخاصة، وحكمتها الفريدة، ووقتها المحدد. لقد شرعها النبي صلى الله عليه وسلم لتكون “طُهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين”، فهي بمثابة جبر لأي نقص قد يكون شاب صيامنا، وفي الوقت نفسه هي إعلان عملي للتكافل الاجتماعي يضمن ألا يبقى أي فقير أو مسكين جائعاً أو محتاجاً للسؤال في يوم العيد. في هذا الدليل الشامل، سنتعرف بالتفصيل على مقدار زكاة الفطر، وسنوضح وقت إخراج زكاة الفطر المشروع، وسنجيب على سؤال لمن تعطى زكاة الفطر، مع تسليط الضوء على حكم إخراج زكاة الفطر نقداً وقيمتها التقديرية في الجزائر لعام 1446هـ الموافق 2025م.
على من تجب زكاة الفطر؟
تجب زكاة الفطر على كل مسلم، صغيراً كان أم كبيراً، ذكراً أم أنثى، حراً أم عبداً، إذا كان يملك ما يزيد عن قوته وقوت عياله ليوم وليلة العيد. ويجب على رب الأسرة أن يخرجها عن نفسه وعمن يعولهم شرعاً، مثل زوجته وأبنائه الصغار الذين لا مال لهم.
مقدار زكاة الفطر: الصاع النبوي وما يعادله
إن مقدار زكاة الفطر الذي حدده النبي صلى الله عليه وسلم هو “صاع” من غالب قوت أهل البلد.
- ما هو الصاع؟ الصاع هو وحدة قياس حجمية كانت تستخدم في العهد النبوي. وقد اجتهد العلماء المعاصرون في تحويل هذا الحجم إلى وزن بالكيلوجرام، ووجدوا أنه يختلف باختلاف كثافة المادة الموزونة.
- المقدار بالكيلوجرام: يتراوح وزن الصاع بين 2.5 كيلوجرام و 3 كيلوجرام تقريباً. والأخذ بالحد الأعلى (3 كلغ) هو الأحوط والأبرأ للذمة والأنفع للفقير.
- نوع الطعام: يجب أن تكون من غالب طعام أهل البلد. وفي الجزائر، يشمل ذلك:
- السميد (الدقيق الخشن أو المتوسط).
- الفرينة (الدقيق الأبيض).
- التمر.
- الأرز أو أي حبوب أخرى معتادة.
وقت إخراج زكاة الفطر: متى نخرجها؟
لتوقيت إخراج زكاة الفطر أهمية كبرى لضمان تحقيق مقصودها. وينقسم الوقت إلى عدة أقسام:
- وقت الجواز: يجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين، وهذا ما كان يفعله الصحابة رضوان الله عليهم. وقد أجاز بعض الفقهاء إخراجها من منتصف رمضان أو حتى من بدايته.
- أفضل وقت للإخراج (الوقت المستحب): هو صباح يوم العيد، قبل الخروج إلى صلاة العيد. هذا هو وقتها المثالي لتحقق هدفها في إغناء الفقير في ذلك اليوم المبارك.
- وقت الوجوب والتحريم: يبدأ وقت الوجوب بغروب شمس آخر يوم من رمضان. ويحرم تأخيرها عن صلاة العيد بلا عذر شرعي. من أخرها عن صلاة العيد، لم تسقط عنه وتبقى ديناً في ذمته يجب عليه قضاؤها، ولكنها تُحسب له كصدقة من الصدقات ويفوته أجر زكاة الفطر الخاص.
لمن تعطى زكاة الفطر؟
على عكس زكاة المال التي لها ثمانية مصارف، فإن مصرف زكاة الفطر أضيق وأكثر تحديداً. تُعطى زكاة الفطر بشكل أساسي للصنفين الأولين من مصارف الزكاة: الفقراء والمساكين. الحكمة في ذلك واضحة من قول النبي “طعمة للمساكين”، فالهدف هو سد حاجتهم من الطعام في يوم الفرحة، ليفرحوا كما يفرح الأغنياء. ولا يجوز إعطاؤها لمن تجب عليك نفقتهم (كالأصول والفروع والزوجة).
المسألة الكبرى: حكم إخراج زكاة الفطر نقداً
هذه من أشهر مسائل الخلاف المعاصرة.
- الرأي الأول (الأصل هو الطعام): يرى جمهور الفقهاء (المالكية، الشافعية، الحنابلة) أن إخراج زكاة الفطر طعاماً هو السنة الواجب اتباعها، ولا يجزئ إخراج قيمتها نقداً إلا لضرورة. حجتهم أن النبي صلى الله عليه وسلم فرضها “صاعاً من طعام”، وأن العبادات توقيفية يجب أداؤها كما وردت، وأن الحكمة من إغناء الفقير بالطعام تتحقق بذلك بشكل مباشر.
- الرأي الثاني (جواز إخراج القيمة النقدية): يرى الحنفية وعدد كبير من العلماء والهيئات المعاصرة أنه يجوز حكم إخراج زكاة الفطر نقداً إذا كان ذلك أنفع للفقير. حجتهم أن المقصود هو إغناء الفقير عن السؤال في يوم العيد، وهذا الإغناء قد يتحقق بالمال بشكل أفضل، حيث يستطيع الفقير شراء ما هو أبعد من الطعام، كشراء ملابس جديدة لأطفاله أو حلوى العيد.
زكاة الفطر 2025 في الجزائر
في كل عام، تقوم وزارة الشؤون الدينية والأوقاف في الجزائر بتحديد قيمة بدل نقد لمن يختارون هذا الرأي. يتم تحديد المبلغ بناءً على سعر الصاع من غالب قوت الجزائريين. وبالنظر إلى الأسعار الحالية، من المتوقع أن تكون قيمة زكاة الفطر 2025 الجزائر (لعام 1446 هجري) حوالي 150 ديناراً جزائرياً عن كل فرد. (ملاحظة: هذا الرقم تقديري ويجب انتظار الإعلان الرسمي من الوزارة الذي يصدر عادة في منتصف رمضان).
خاتمة: إتمام الفرحة بعبادة مباركة
زكاة الفطر هي مسك الختام لشهر الصيام، وهي جسر المحبة والتكافل الذي يربط بين جميع فئات المجتمع في يوم العيد. سواء اخترت أن تخرجها صاعاً من السميد أو التمر اتباعاً للسنة بحذافيرها، أو أخرجت قيمتها النقدية التي حددتها الجهات الرسمية تيسيراً على نفسك وأنفع للفقير في رأيك، فإن الأهم هو استحضار النية، والمبادرة بإخراجها في وقتها، والتأكد من وصولها لمن يستحقها، لتكون حقاً طهارة لك، وطعمة لأخيك، وفرحة تعم الجميع.